كنت مبتعثا من قبل عملي كالمعتاد إلى إحدى الشركات الصناعية وذلك لغرض تصليح أحد الأجهزة و إعطاء الدعم الفني اللازم لذلك الجهاز.
كانت رحلة العمل هذه المرة إلي جمهورية إيران الإسلامية وبالضبط الى منطقة تسمى باجنورد وهي منطقة تقع في شمال مدينة مشهد وعلى مسافة قريبة من جمهورية تركمنستان إحدى جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.
كان خط الرحلة هو من البحرين الى طهران حيث بقيت في طهران يوما كاملا على الأقل، وفي اليوم التالي من الوصول استقبلني ممثل الشركة التي اعمل فيها والذي نسق لزيارتي هذه وقال لي سوف آتيك هذا المساء الساعة السابعة والنصف لنذهب معا إلى المطار حيث أن موعد إقلاع الطائرة إلى مدينة مشهد هو الساعة التاسعة والنصف.
جهزت أمتعتي ونزلت من غرفتي واخدت انتظر في بهو الفندق في الموعد المتفق عليه وذلك بعد أن أنهيت إجراءات الدفع. تأخر عن الحضور في الموعد وبعد قليل اتصل بي وقال " لن أتمكن من اخذك معي فالطرق مزدحمة ،خذ سيارة اجره وتوجه إلى المطار وسألقاك عند مدخل المطار". فاستقلت سيارة أجرة متوجها إلى المطار وفعلا كان الطريق شديد الازدحام والجو كان ملوثا بأدخنة السيارات القديمة والموجود منها بكثرة هناك ومع ذلك فإنني لاحظت انخفاض عدد تلك السيارات القديمة مقارنة بزيارتي السابقة قبل أربع سنوات. ومن اجل اللحاق بالطائرة سلك سائق الأجرة طرق فرعية في محاولة لتجاوز الازدحام المروري مما أدى إلى أن يضيع الطريق المؤدي إلى المطار.
وأخيرا بعد جهد جهيد وصلنا إلى المطار ولم يبقى على موعد إقلاع الطائرة سوى دقائق فنزلت من سيارة الأجرة راكضا باتجاه مدخل المطار حيث التقيت بزميلي الذي سعى جاهدا لأخذ بطاقة دخول الطائرة دون جدوى فحضر إلي وقال "سوف اذهب أنا، أما أنت فانتظر الرحلة التالية بعد ساعة من الآن وسوف انتظرك في مطار مشهد" وأرشدني إلى مكتب تعديل الرحلات. وبينما كنت منتظرا في الازدحام من اجل تعديل الرحلة إذا بي أراه قد عاد وقال "سوف نذهب معا، لقد أقلعت الطائرة".
وبعد الانتهاء من إجراءات تعديل الرحلة ركبنا الطائرة وكان نصيبي أن اجلس في مؤخرة الطائرة وفي آخر مقعد وبالقرب من محرك الطائرة حيث كانت النافذة هي الفاصل بيني وبين المحرك مما أدى إلى إصابتي بتعب شديد بسبب الضجيج الهائل.
وصلنا إلى الفندق في مشهد وفي وقت متأخر ولم انم إلا عند الساعة الواحة والنصف بعد منتصف الليل وكان يجب علي الاستيقاض مبكرا عند الساعة الخامسة والنصف صباحا حيث ستنتظرني سيارة تأخذني إلى مكان العمل.عند الساعة السادسة صباحا استيقضت على عجل عندما اتصل بي زميلي ليسأل عني بسبب تأخري في النزول. نزلت من الغرفة الى مدخل الفندق حيث عرفني زميلي بالسائق الحاج احمد الذي سيأخذني الى موقع العمل حيث قال " لقد جئت في الساعة الخامسة لأتأكد من وجودك". ثم ركبنا السيارة منطلقين الى هدفنا.
منطقة باجنورد تبعد عن مدينة مشهد بثلاث ساعات تقريبا. وخلال تلك الفترة تبادلت مع سائق السيارة الحاج احمد الاحاديث الكثيرة.
الطريق كان جميلا فالمزارع الخضراء كانت تغطي معظم المناطق طرفي الشارع وفي بعض المناطق كانت الثمار مثل العنب والطماطم وغيرهما تقطف وتباع على ضفة الشارع. ومع مرور الوقت واقترابنا من موقع العمل ظهرت الجبال الجميلة والوديان الخضراء، انها كانت مناظر رائعة.
قال الحاج احمد " المنطقة التي تقع بعد الموقع الذي ستزوره توجد فيها غابات جميلة حيث تكثر فيها الحيوانات المختلفة مثل الغزلان والدببة حيث يستمتع كثير من الناس بزيارة تلك المنطقة".
وفي خلال تبادل الاحاديث سالني الحاج احمد فقال " مارايك في صدام؟"، فقلت " لقد كان رئيسا مجرما، قتل الالاف من شعبه وارتكب المذابح الشنيعة. الالاف من الموطنين كانوا يبحثون عن ذويهم املين ان يخرجوا من السجون فاذا بهم بعد اكثر من اثنى عشر عاما بعد زوال النظام يفاجؤن برفاتهم في مقابر جماعية وقد دفنوا بثيابهم وما يحملون معهم. فمنهم من كان اوراقه الثبوتية في جيبه ومنهم من دفن مع عكازته التي كان يتكىء عليها وغيرها من المشاهد المؤلمة".
الحاج أحمد: " اجل لقد كان شخصا فاسدا، لقد حملنا حربا لا معنى لها لثمان سنوات. ولقد تشرفنا بالخدمة في تلك الحرب"
ثم حكى الحاج احمد عن بعض المعارك التي شارك فيها ابان تلك الحرب.
" في احدى المعارك استطاعت القوات العراقية من الانتصار علينا فقتل منا من قتل ووقع في الاسر من وقع وانسحب منا من استطاع ان ينسحب وانا كنت منهم، فجمعنا شملنا وقمنا بهجوم مضاد تمكنا خلالها من استعادة ما فقدناه منهم وعندما جئنا الى تحرير رفاقنا الاسرى اكتشفنا انهم قد قتلوا وبطريقة بشعة حيث تم ربط رجلي الاسير بسيارتين مختلفتين ومن ثم تنطلق السيارتان في اتجاهين متعاكسين فينفلق الاسير الى نصفين. اما نحن فكان بودنا ان ننتقم لزملائنا من هذا العمل الشنيع لولا ان ديننا الحنيف ينهانا عن ارتكاب مثل هذه الاعمال فكنا نعدم الاسرى البعثيين رميا بالرصاص. اما باقي الاسرى فكنا نعفوا عنهم فقد كانوا يتوسلون الينا بان نسامحهم فهم لم ولن يرغبوا ابدا ان يحاربوا اخوانهم المسلمين ولكن صدام كان سيعدمهم اذا ما رفضوا الذهاب الى الحرب. ان البعثيين كانوا حقا مجرميين"
ثم قال الحاج احمد " وفي معركة اخرى حوصرنا في شق ضيق بين جبلين وقد نفذت كل ما نملك من ذخائر وجهاز اللاسلكي كان عاجزا من التقاط وارسال اشارات الاستغاذة وهددتنا القوات العراقية بان نستسلم او نقتل، فابينا ان نستسلم لانهم سيقتلوننا فاذا كنا سنقتل فالنقتل مدافعين عن انفسنا ولا نقتل مستسلمين. حتى استطاع احد زملائنا من صعود جدار الشق الى مستوى استطاع جهاز الاسلكي من ارسال اشارات الاستغاثة وبعد عدة ساعات سمعنا اصوات المروحيات التي اتت لنجدتنا".
وقد مررنا اثناء الرحلة ببعض القرى الصغيرة حيث رأيت هناك صور ثنائية لشباب اعمارهم في حدود العشرين سنة يزيد او ينقص قليلا معلقة على اعمدة الانارة على طول الشارع فقال لي الحاج أحمد "هل تعلم لمن هذه الصور؟ انهم شهداء البلاد الذي استشهدوا ابان الحرب مع العراق،وقد علقت صورهم تكريما لهم والصور الثنائية هم إخوة من أسرة واحدة".
وبعد ان وصلنا الى موقع العمل ودعني وقال " سعدت بلقاءك، بعد انهاء عملك سيكون هناك سائق اخر يعيدك الى مشهد". وبعد ثلاث ساعات انهيت عملي وركبت السيار عائدا الى مشهد. طريق العودة كان مختلفا تماما عن طريق الذهاب والذي كان في الصباح الباكر فالازدحام كان في اوجه وخاصة في المناطق التي يصبح فيها الشارع ضيقا حيث اخذت السيارات تتجاوز السيارات الاخرى وبسرعة عالية لدرجة ان سيارة كانت تقترب من اخرى من الجانب وما ان تصبح المسافة بينهما سنتيمتر واحد حتى تبتعد عن بعضهما البعض. لقد تعودوا هم على هذا النمط اما انا فكان المشهد مرعبا بانسبة لي.
اما نهاية تلك السفرة فقد تصادف وجود السيد غسان بن جدو المذيع في قناة الجزيرة ومقدم برنامج حوار مفتوح معي في الطائرة اثناء رحلة العودة من طهران الى البحرين ولم اتمكن من التحدث معه الا اثناء مغادرة الطائرة نظرا لبعد المقاعد ولو تسنى لي ذلك لتبادلنا الاراء في المواضيع المختلفة.
قلت: " السلام عليكم كيف حالك"
بن جدو:" الحمدلله"، "شكرا على برامجكم المميزة، أنت قادم من ايران ، الست مراسل القناة في بيروت؟"
" انا المدير الاقليمي بين بيروت وطهران ونحن كثير السفر. لم نتعرف عليك؟"
" انا اسمي عارف العوضي، بحريني واعمل في شركة اجنبية واسافر لاداء اعمال صيانة للأنظمة"، " حياك الله"
وافترقنا عندما واصل طريقه الى صالة الترانزيت ليتوجه الى الدوحة حيث ودعته وتوجهت الى مكتب الجوازات.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق